الثلاثاء 08
دجنبر، 2015
جلالة الملك يوجه رسالة
سامية إلى المشاركين في المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية
وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس رسالة سامية إلى المشاركين في
المناظرة الوطنية حول موضوع "السياسة العقارية للدولة ودورها في التنمية
الاقتصادية والاجتماعية" التي افتتحت أعمالها يوم الثلاثاء بالرباط.
وفي ما يلي نص الرسالة
الملكية السامية التي تلاها مستشار جلالة الملك السيد عبد اللطيف المنوني.
"الحمد لله والصلاة
والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
حضرات السيدات والسادة
يطيب لنا أن نتوجه إلى
المشاركين في هذه المناظرة الوطنية الهامة حول موضوع "السياسة العقارية
للدولة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية" التي أبينا إلا أن نضفي
عليها رعايتنا السامية اعتبارا للمكانة الأساسية التي يتبوؤها قطاع العقار في
مواكبة دينامية التنمية الشاملة التي تشهدها بلادنا.
وإننا نتطلع لأن تشكل هذه
المناظرة فرصة سانحة للفاعلين في هذا المجال للقيام بتشخيص جماعي لواقع هذا القطاع
الحيوي والوقوف على أبرز الإكراهات التي تعيق قيامه بوظائفه واقتراح التوجهات
الكبرى لسياسة عقارية وطنية متكاملة وناجعة.
وفي هذا الصدد ندعوكم
لاستلهام فضائل الحوار والتفكير الجماعي واعتماد المقاربة التشاركية التي كرسناها
كنهج لا محيد عنه في معالجة كل القضايا الكبرى للأمة.
حضرات السيدات والسادة
لا يخفى عليكم أن العقار
يعتبر عامل إنتاج استراتيجي ورافعة أساسية للتنمية المستدامة بمختلف أبعادها. ومن
ثم فالعقار هو الوعاء الرئيسي لتحفيز الاستثمار المنتج المدر للدخل والموفر لفرص
الشغل ولانطلاق المشاريع الاستثمارية في مختلف المجالات الصناعية والفلاحية
والسياحية والخدماتية وغيرها.
وبالإضافة إلى ذلك فهو
محرك ضروري للاقتصاد الوطني لأنه يوفر الأرضية الأساسية لإقامة مختلف البنيات
التحتية والتجهيزات العمومية. كما تنبني عليه سياسة الدولة في مجال التعمير
والتخطيط العمراني وهو الآلية الأساسية لضمان حق المواطنين في السكن.
وبالنظر للطابع الأفقي
لقطاع العقار فإن الإكراهات والرهانات التي تواجهه تعد أمرا مشتركا بين مختلف
الفاعلين والمهتمين به. لذا فإن معالجتها تقتضي اعتماد منظور شامل يستحضر كافة
الأبعاد القانونية والمؤسساتية والتنظيمية والإجرائية ويراعي خصوصيات هذا القطاع
وطبيعة بنيته المركبة والمتشابكة الناتجة عن تداخل مجموعة من العوامل التاريخية
والاجتماعية والاقتصادية.
ويشكل الجانب التشريعي
أحد أهم التحديات التي يتعين رفعها لتأهيل قطاع العقار وذلك نظرا لتنوع أنظمته
وغياب أو تجاوز النصوص القانونية المنظمة له إضافة إلى تعدد الفاعلين المؤسساتيين
المشرفين على تدبيره.
لذا ندعو للانكباب على
مراجعة وتحديث الترسانة القانونية المؤطرة للعقار بشقيه العمومي والخاص بما يضمن
حماية الرصيد العقاري وتثمينه والرفع من فعالية تنظيمه وتبسيط مساطر تدبيره
لتمكينه من القيام بدوره في تعزيز الدينامية الاقتصادية والاجتماعية
لبلادنا.
كما نحث الحكومة على
مواصلة إصلاح الأنظمة العقارية المرتبطة بالاستثمار الفلاحي بما يجعل من العقار
دعامة أساسية لتطوير الفلاحة ورافعة للتنمية القروية التي تحظى بالأولوية ضمن
اهتماماتنا.
ونود التأكيد على أهمية
تثمين العقار الفلاحي التابع للملك الخاص للدولة والذي مكن من خلال عملية الشراكة
بين الدولة والقطاع الخاص من تحقيق نتائج سوسيو-اقتصادية جد إيجابية ساهمت في
تطوير القطاع الفلاحي وتبلورت محليا في خلق قيمة مضافة وثروات إضافية مهمة علاوة
على إحداث العديد من فرص الشغل.
وبما أن النهوض
بالاستثمار رهين بتوفر العقار باعتباره الأرضية التي تحتضن المشاريع التنموية
والاستثمارية فإنه يتعين تركيز الجهود على تيسير ولوج المستثمرين إلى العقار
وتبسيط مساطر انتقاله وتداوله مع العمل على تثمين العقار العمومي وضمان الولوج
إليه وفق قواعد الشفافية وتكافؤ الفرص في إطار نظام جبائي عقاري عادل وفعال ومحفز
للاستثمار من شأنه الموازنة بين حقوق الملاكين والدولة وضمان إسهام فاعل للعقار في
الدينامية الاقتصادية.
حضرات السيدات والسادة
إن الرفع من فعالية
ونجاعة السياسة العقارية للدولة يقتضي اعتماد استراتيجية وطنية شمولية وواضحة
المعالم وتنزيلها في شكل مخططات عمل تتضمن كافة الجوانب المتعلقة ببلورة وتنفيذ
هذه السياسة مع ما يرتبط بذلك من تدابير تشريعية وتنظيمية وإجرائية وغيرها في
تكامل بين الدولة والجماعات الترابية باعتبارها فاعلا أساسيا في التنمية المجالية.
ولأن التقييم الذي يعد
أحد مقومات الحكامة الجيدة يجب أن يشكل جزءا لا يتجزأ من آليات التدبير العمومي
فإن تنزيل أي سياسة عقارية ناجحة يبقى رهينا بمدى مواكبتها بالتتبع والتقييم
المستمر للاختيارات المتبعة من طرف الدولة في مجال تدبير العقار بهدف قياس أثرها
على مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. ومن ثم العمل على تقويم
اختلالاتها وتحسين نجاعتها وفعاليتها.
ولنا اليقين في أن
الأفكار والمقترحات التي ستنبثق عن أشغال ملتقاكم من شأنها أن تسهم في وضع خارطة
طريق لبلورة وتنفيذ سياسة عقارية وطنية متكاملة كفيلة بتجاوز الإكراهات المتعلقة
بهذا القطاع والاستجابة للمتطلبات المتزايدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية
للبلاد بما يساهم في تحقيق تطلعاتنا إلى ترسيخ دعائم مجتمع متوازن ومتضامن على
الصعيدين الاجتماعي والمجالي.
أعانكم الله وكلل أشغالكم
بكامل التوفيق والنجاح.
والسلام عليكم ورحمة الله
تعالى وبركاته".
(ومع 08/12/2015)